هذه مسألة مهمة من أمهات مسائل الفقه الإسلامي المتعلقة بأحكام الصيد والوصايا والطلاق والعتاق وغير ذلك؛ لأن مدرك الخلاف فيها مبني على جواز استعمال القرعة أو عدم جوازها إذا تساوى في الحق من وقع عليه طلاق أو عتاق وشبه ذلك، ولأن المسألة فيها حديث ثابت صحيح، فإنها تمثل نموذجًا لخلاف الجمهور من الفقهاء والأصوليين من الأخذ بالأخبار الثابتة والتوفيق بينها وبين الأصول والقواعد الثابتة، إذا كان بين الأمرين ما ظاهره التعارض في مقابل قول الأحناف وجماعة من فقهاء العراق والحجاز في تقديم الأصول والقواعد الثابتة، وطرح ما عارضها من أخبار الآحاد ولو كانت ثابتة صحيحة.
قلت: وقد ذكرت أصل هذه المسألة في كتاب الوصايا من أن قول الجمهور هو أن العتق في مرض الموت يخرج مخرج الوصية، وذكرنا هناك خلاف مسروق التابعي -رحمه الله- تعالى.
فإذا عدنا للمسألة فقد اختلف الفقهاء فيها على مذهبين رئيسين: الأول:
أن من أعتق في مرض موته أو أوصى بعتق أو دبر؛ فإن ذلك يخرج من الثلث. فإن كان الذي أعتقه أو أوصى به أو دبره يفي به الثلث من ماله نفذ ذلك كله، وإلا بأن جاوز الثلث وكانوا عبيدًا أعتق ثلثهم ورق ثلثيهم وذلك عن طريق الاقراع، وهذا إذا وقع الإعتاق دفعة واحدة، وبه يقول عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان ومالك والشافعي وإسحاق وداود وابن جرير الطبري وأحمد.
وقال آخرون: بل يعتق من كل عبد ثلثه ويستعسى في باقيه.
وأنكر أبو حنيفة وأصحابه القرعة وروي نحو هذا القول عن سعيد بن المسيب وشريح والشعبي والنخعي وقتادة وحماد.
انظر في هذه المسألة كتاب المغني لابن قدامة ج 12 (ص: 273). كتاب بداية المجتهد لابن رشد ج 2 (ص: 441). كتاب الحاوي الكبير للماوردي ج 18 (ص: 34). كتاب الإشراف لابن المنذر ج 2 (ص: 305).
– موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي للشيخ الإستاذ الدكتور محمد نعيم ساعي اللاذقاني الشامي/السوري –
عن عمران بن الحصين رضي الله عنه: (أنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ له عِنْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يَكُنْ له مَالٌ غَيْرَهُمْ، فَدَعَا بهِمْ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا، ثُمَّ أَقْرَعَ بيْنَهُمْ، فأعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً، وَقالَ له قَوْلًا شَدِيدًا). – حديث صحيح رواه الإمام مسلم –
♦ دَبَّرَ العَبْدَ: عَلَّقَ عِتْقهُ بموته.
♦ العبد المدبر: هو العبد الذي وعده سيده بأن يعتقه إذا مات. – معجم المعاني الجامع –
