الكبيرة الثالثة: السحر
لأن الساحر لا بد وأن يكفر؛ قال الله تعالى: {ولكنَّ الشياطينَ كفروا يُعَلَّمُونَ النَّاسَ السِّحرَ} – سورة البقرة ١٠٢- وما للشيطان الملعون غرض في تعليمه الإنسانَ السحرَ إلا ليشرك به.
وقال الله تعالى عن هاروت وماروت: {وَمَا يعلمَانِ من أحد حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر فيتعلمون مِنْهُمَا مَا يفرقون بِهِ بَين الْمَرْء وزوجه…} إلى أن قال: {وَلَقَد علمُوا لمن اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خَلَاق} – سورة البقرة ١٠٢ –
فترى خلقاً كثيراً من الضُّلَّال يدخلون في السحر ويظنون أنه حرامٌ فقط، وما يشعرون أنه الكفر، فيدخلون في تعلم السيمياء وعملها، وهي محض السحر، وفي عقد المرء عن زوجته وهو سحر، وفي محبة الزوج لامرأته وفي بغضها وبغضه، وأشباه ذلك بكلمات مجهولة أكثرها شرك وضلال. (السيمياء: السحر: وحاصله إحداث مثالات خيالية لا وجود لها في الحِسِّ).
وحدُّ الساحر القتل، لأنه كفر بالله أو ضارع الكفر. قال النبي ﷺ: ((اجتنبوا السبعَ الموبقات …)) – حديث صحيح – فذكر منها: السحر. فليَّتقِ العبد ربه ولا يدخل فيما يخسر به الدنيا والآخرة.
ويُروى عن النبي ﷺ أنه قال: ((حَدُّ السَّاحرِ ضَربةٌ بالسَّيفِ)) – رواه الحاكم في المستدرك –
قال بجَالة بن عَبَدة: أتانا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنة؛ (أن اقتلوا كلَّ ساحرٍ وساحرةٍ). – رواه الإمام أحمد في المسند –
وعن أبي موسى رضي الله تعالى عنه، أن النبي ﷺ قال: ثلاثةٌ لا يدخلونَ الجنَّة: مدمنُ خمرٍ، وقاطعُ رحمٍ، ومُصدِّقً بالسحرِ)) – رواه الإمام أحمد في المسند ٣٩٩/٤ والحاكم في المستدرك.
وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: ((الرُّقى والتمائم والتِّوَلَة شرك)) – رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه –التِّوَلَة: نوع من السحر، وهو تحبيب المرأة إلى الزوج. والتميمة: خرزة ترد العين.
- واعلم أن كثيراً من هذه الكبائر، بل عامتها إلا الأقل، يجهل خلق كثيرٌ من الأمة تحريمه، وما بلغه الزجر فيه ولا الوعيد، فهذا الضرب فيهم تفصيل، فينبغي للعالم أن لا يستعجل على الجاهل، بل يرفق به ويعلمه مما علمه الله، ولا سيما إذا كان إذا كان قريب العهد بجاهليّة، قد نشأ في بلاد الكفر البعيدة، وأُسر وجُلِب إلى أرض الإسلام، وهو تركي كافرٌ أو كرجي مشرك لا يعرف بالعربي، فاشتراه أمير تركي لا علم عنده ولا فهم، فبالجهد إن تلفظ بالشهادتين، فإن فهم بالعربي حتى يفقه معنى الشهادتين بعد أيام وليالٍ؛ فبها ونعمت، ثم قد يصلي وقد لا يصلي، وقد يلقن الفاتحة مع الطول إذا كان إستاذه فيه دينٌ ما، فإن كان أستاذه شبيهاً به، فمن أين لهذا المسكين أن يعرف شرائع الإسلام والكبائر واجتنابها، والواجبات وإتيانها؟! فإن عُرّف هذا الموبقات الكبائر وحذر منها، وأركان الفرائض واعتقدها، فهو سعيد، وذلك نادر، فينبغي للعبد أن يحمد الله تعالى على العافية، فإن قيل هو فرّط لكون ما سأل عما يجب عليه، قيل: هذا ما دار في رأسه، ولا استشعر أن سؤال من يعلمه يجب عليه، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور، فلا يأثم أحدٌ إلا بعد العلم، وبعد قيام الحجة عليه، والله لطيف بعباده رؤوف بهم. قال الله تعالى: {وما كنا معذِّبين حتى نبعث رسولاً} – سورة الإسراء – وقد كان سادة الصحابة بالحبشة، وينزل الواجب والتحريم على النبي ﷺ فلا يبلغهم تحريمه إلا بعد أشهر، فهم في تلك الأشهر معذورون بالجهل حتى يبلغهم النصُّ، فكذا يُعذر بالجهل كلُّ من لم يعلم حتى يسمع النص، والله تعالى أعلم.
كرجي: نسبة إلى كُرج، وهي ناحية من نغور أذربيجان من الروم، والكرج: هم جيل من الناس النصارى. – النهاية لابن الأثير –
– كتاب الكبائر وتبين المحارم للإمام الذهبي – حققه محي الدين مستو –
للمتوسمين | lilmutawasimin