أوقع طلاقًا قبل النكاح

جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن من طلق امرأة قبل أن ينكحها فإنه لا يلحقها طلاقه بعد نكاحها. حكاه الإمام البخاري عن عليٍّ وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبان بن عثمان وعليِّ بن حسين وشُرَيْح وسعيد بن جبير والقاسم وسالم وطاوس والحسن وعكرمة وعطاء وعامر بن سعد وجابر بن زيد ونافع بن جبير ومحمد بن كعب وسليمان بن يسار ومجاهد والقاسم بن عبد الرحمن وعمرو بن هرم والشعبي، ونقله الحافظ في الفتح عن الشافعي وابن مهدى وأحمد وإسحاق وداود وأتباعهم وجمهور أهل الحديث.

قلت: وقد صدَّر البخاري المسألة بعد الآية بأثر عن ابن عباس معلق جزمًا وهو قوله: “إنما جعل الله الطلاق بعد النكاح”،

قال الحافظ: وقال بالوقوع مطلقًا: أبو حنيفة وأصحابه.

وقال بالتفصيل (ففرقوا بين أن يوقع طلاقه قبل نكاحه من غير تعيين أو أن يعين فلانة من الناس معينة): ربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى وإبن مسعود، وأتباعه من قبل هؤلاء، وبه قال مالك في المشهور عنه، وروي عنه عدم الوقوع مطلقًا ولو عين، وعن ابن القاسم مثله، وعنه أنه توقف، وكذا عن الثوري وأبي عبيد،

قال الحافظ: وقال جمهور المالكية بالتفصيل، فإن سمى امرأة أو طائفة أو قبيلةً أو مكانًا أو زمانًا يمكن أن يعيش إليه لزمه الطلاق والعتق.

وجاء عن عطاء مذهب آخر مفصل بين أن يشرط ذلك في عقد نكاح امرأته أولًا، فإن شرطه لم يصح مَنْ عَيَّنها وإلا صح. أخرجه ابن أبي شبية،

وتأول الزهري ومن تبعه قوله: “لا طلاق قبل نكاح” أنه محمول على من لم يتزوج أصلًا؛ فإذا قيل له مثلًا تَزَّوْج فلانة فقال: هي طالق البتة لم يقع بذلك شيء، وهو الذي ورد فيه الحديث، وأما إذا قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق فإن الطلاق إنما يقع حين يتزوجها.

قلت: وهو عينه مذهب من فصل في المسألة وقد ذكرناه قريبًا.

قال الحافظ: وما ادعاه (يعني الزهري) من التأويل ترده الآثار الصريحة عن سعيد ابن المسيب وغيره من مشايخ الزهري في أنهم أرادوا عدم وقوع الطلاق عمن قال إن تزوجت فهي طالق، سواء خصص أم عمم أنه لا يقع، ولشهرة الاختلاف كره أحمد مطلقًا، وقال: إن تزوج لا آمره أن يفارق، وكذا قال إسحاق في المعينة.

قال البيهقي بعد أن أخرج كثيرًا من الأخبار والآثار الواردة في عدم الوقوع: هذه الآثار تدل على أن معظم الصحابة والتابعين فهموا من الأخبار أن الطلاق أو العتاق الذي علق قبل النكاح والملك لا يعمل بعد وقوعهما. انتهى موضع الغرض من كلام الحافظ، وفي المسألة كلام كثير ليس هذا محل بسطه بل نرجئه إلى الشرح إن شاء الله تعالى.

راجع بداية ج 2 (ص 100) فتح الباري ج 20 (ص: 51)، نيل الأوطار ج 7 (ص: 28) مغ ج 11 (ص: 232). والحاوي جـ 10 (ص 25).

– موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي للشيخ الإستاذ الدكتور محمد نعيم ساعي اللاذقاني الشامي/السوري –