جمهور العلماء على أن الحائض إذا طهرت من حيضها فإنه لا يجوز وطؤها حتى تتطهَّر بغسل إذا وُجد الماء، أو بتيمم إذا تعذر استعماله لفقدٍ أو غيره. هكذا حكاه الإِمام الماورديّ عن الجمهور، وهو مذهب الشافعي. وحكاه ابن المنذر عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار والزهري وربيعة ومالك والثوري والليث بن سعد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور.
وقال ابن المنذر: وروينا بإسنادٍ فيه مقالٌ عن طاوس وعطاء ومجاهد أنهم قالوا: إن أدرك الزوجَ الشبقُ أمَرَها أن تتوضأ ثمَّ أصابها إن شاء.
قال ابن المنذر: وأصحُّ من هذا عن عطاء ومجاهد موافقة القول الأول. قال -رحمه الله-: ولا يثبت عن طاوس خلاف قول سالم. قال ابن المنذر: فإذا بطل أن يصحَّ عن هؤلاء قولٌ ثانٍ كان القول الأول كالإجماع.
قلت: لا يثبت في المسألة إجماعٌ. قال الإِمام النووي: وقال أبو حنيفة: إن انقطع دمها لأكثر الحيض -وهو عشرة أيام عنده- حل الوطءُ في الحال، وإن انقطع دمها لأقلِّه لم يحل حتى تغتسل أو تتيمم، فإن تيممت ولم تُصَلِّ لم يحل الوطء حتى يمضي وقت الصلاة.
قلت: حل وطء الحائض إذا انقطع عنها الدم لأكثر الحيض ثابت عن أبي حنيفة -رحمه الله- تعالى (1).
وقال داود الظاهري: إذا غسلت فرجها حلّ الوطء.
وحُكي عن مالك تحريم الوطء إذا تيممت عند فقد الماء.
قلت: وهذا القول صحيح عن مالك في رواية ابن القاسم عنه (2).
قال النووي: هكذا نقل أصحابنا وغيرهم هذا الخلاف مطلقًا كما ذكرته، وقال ابن جرير: أجمعوا على تحريم الوطء حتى تغسل فرجها، وإنما الخلاف بعد غسله.
قلت: هذا كلام النووي بحروفه -رحمه الله- تعالى (3).
مج ج 2 ص 348، مغ ج 1 ص 353، الحاوي ج 1 ص 386، بداية ج 1 ص 78، القرطبي ج3 ص 88.
(1) انظر إعلاء السنن ج 1 ص 258، أحكام القرآن (الجصاص) في ج 1 ص 348.
(2) قال ابن القاسم: قلت لمالك: أرأيت امرأةً طهرت من حيضها في وقت صلاةٍ فتيممت وصلَّت وأراد زوجها أن يمسَّها؟ قال (يعني مالك): لا يفعلُ حتى يكون معه من الماء ما يغتسلان به جميعًا. انظر المدونة ج 1 ص 53، وانظر تحليل ابن القاسم لقول مالك في نفس المصدر.
(3) ما أقول فيه هنا وفي سائر الكتاب، قلت: فيكون هذا من قولي غفر الله لنا ولأهلنا وللمسلمين آمين.