معنى الكبائر

معنى الكبائر لغة:

قال في لسان العرب: الكِبر: الإثم الكبير، وما وعد الله عليه النار، والكِبرةُ كالكِبر: التأنيث على المبالغة.

وفي التنزيل العزيز: { وَٱلَّذِينَ يَجتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلْإِثْمِ وَٱلْفَوَٰحِشَ ..} وفي الأحاديث ذكر الكبائر في غير موضع، واحدتها كبيرة، وهي الفعلة القبيحة من الذنوب المنهي عنها شرعاً لعظيم أمرها، كالقتل والزنا والفرار من الزحف، وغير ذلك، – فتح الباري –

معنى الكبائر:

ذكر العلماء في معنى الكبائر عدة تعاريف، استعرض بعضها الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه (فتح الباري) فقال:

قال الرافعي في الشرح الكبير: الكبيرة: هي الموجبة للحد، وقيل: ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص الكتاب أو السنة.

وقال الماوردي: في الحاوي: (هي ما يوجب الحد، أو توجه إليه الوعيد).

وقال البغوي في التهذيب: كل ما يوجب الحد من المعاصي فهو كبيرة، وقيل: ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص كتاب أو سنة..

وقال ابن عبد السلام: لم أقف على ضابط للكبيرة – يعني يسلم من الاعتراض – والأولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها، إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها. قال: وضبطها بعضهم بكل ذنب قُرن به وعيد أو لعن.

وقال ابن الصلاح: لها أمارات: منها إيجاب حد، ومنها الإيعاد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب أو السنة، ومنها وصف صاحبها بالفسق، ومنها اللعن.

وأخرج إسماعيل القاضي بسند فيه ابن لهيعة عن أبي سعيد مرفوعاً: (( الكبائر كلُ ذنبٍ أدخلَ صاحبَه النَّار)). وبسند صحيح عن الحسن البصري قال: ((كلُ ذنبٍ نسبه اللهُ تعالى إلى النّار فهو كبيرةٌ)). – فتح الباري –

ثم قال ابن حجر رحمه الله تعالى: ومن أحسن التعاريف قول القرطبي في – المفهم -: كل ذنب أطلق عليه بنص كتاب أو سنة أو إجماع: أنه كبيرة، أو عظيم، أو أخبر فيه بشدة العقاب، أو علق عليه الحد، أو شدد النكير عليه فهو كبيرة. وعلى هذا فينبغي تتبع ما ورد فيه الوعيد، أو اللعن، أو الفسق من القرآن، أو الأحاديث الصحيحة والحسنة، ويضم إلى ما ورد فيه التنصيص في القرآن والأحاديث الصحاح والحسان على أنه كبيرة، فمهما بلغ مجموع ذلك عرف منه تحرير عددها.

الذنوب كبائر وصغائر:

قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا} –النساء ٣١

لما نهى الله تعالى في هذه السورة عن آثام هي كبائر، وعَدَ على اجتنابها التخفيف من الصغائر، ودلّ هذا على أن في الذنوب كبائر وصغائر، وعلى هذا جماعة أهل التأويل وجماعة الفقهاء، وأن اللمسة والنظرة تُكفر باجتناب الكبائر قطعاً بوعده الصدق وقوله الحق، لا أنه يجب عليه ذلك. ونظير الكلام في هذا ما تقدم بيانه في قبول التوبة في قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ}، فالله تعالى يغفر الصغائر باجتناب الكبائر، لكن بضميمةٍ أخرى إلى الاجتناب وهي إقامة الفرائض، روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: (( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفِّرات ما بينهنَّ إذا اجتَنَبَ الكبائر)). وروى أبو حاتم البُستيّ في صحيح مسنده عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ جلس على المنبر ثم قال: ((والذي نفسي بيده)) ثلاث مرات، ثم سكت فأكبّ كل رجل منا يبكي حزيناً لِيَمين رسول الله ﷺ، ثم قال: (( ما من عبد يؤدي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يوم القيامة حتى أنها لتصفّق)) ثم تلا: {إِن تَجتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّر عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُم}. فقد تعاضد الكتاب وصحيحُ السنة بتكفير الصغائر قطعاً كالنظر وشِبه. وبيّنت السنة أن المراد بـ(تَجتَنِبُواْ) ليس كلّ الاجتناب لجميع الكبائر. والله أعلم.

وأما الأصوليون فقالوا: لا يجب على القطع تكفير الصغائر باجتناب الكبائر، وإنما محمل ذلك على غلبة الظنّ وقوّة الرّجاء والمشيئةُ ثابتةٌ. ودلّ على ذلك أنه لو قطعنا لمجتنب الكبائر وممتثل الفرائض تكفيرَ صغائره قطعاً لكانت له في حكم المباح الذي يقطع بألا تبعة فيه. وذلك نقض لعُرى الشريعة. ولا صغير عندنا. قال القُشيريّ عبد الرحيم: والصحيح أنها كبائر ولكن بعضها أعظم وقعاً من بعض، والحكمة في عدم التمييز أن يجتنب العبد جميع المعاصي.

قلت: وأيضاً من نظر إلى نفس المخالفة كما قال بعضهم: – لا تنظر إلا صِغر الذنب ولكن انظر من عصيتَ – كانت الذنوب كلها كبائر، وعلى هذا النحو يخرّج كلام القاضي أبي بكر بن الطيّب والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني وأبي المعالي وأبي نصر عبد الرحيم القشيري وغيرهم؛ قالوا: وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منه، كما يقال الزنا صغيرة بإضافته إلى الكفر، والقُبْلة المحرمة صغيرة بالنسبة إلى الزنا، ولا ذنب عندنا يُغفر باجتناب ذنب آخر، بل كل ذلك كبيرة ومرتكبه في المشيئة غير الكفر؛ لقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ } واحتجوا بقراءة من قرأ {إِن تَجتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} على التوحيد؛ وكبير الإثم الشرك. قالوا: وعلى الجمع فالمراد أجناس الكفر. والآيةُ التي قيَّدت الحكم فتردّ إليها هذه المطلقات كلها قولهُ تعالى: { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ }. واحتجوا بما رواه مسلم وغيرهُ عن أبي أُمامة أن رسول الله ﷺ قال: (( من اقتطع حق آمرىءٍ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرّم عليه الجنة)). فقال له رجل: يا رسول الله، وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال: وإن كان قضيباً من أرَاك)). 

فقد جاء الوعيد الشديد على اليسير كما جاء على الكثير. وقال ابن عباس: الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب.

وقال ابن مسعود: الكبائر ما نهى الله عنه في هذه السورة إلى ثلاث وثلاثين آيه؛ وتصديقه قوله تعالى: {إِن تَجتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ}.

وقال طاووس: قيل لابن عباس: الكبائر سبع؟ قال: هي إلى السبعين أقرب.

وقال سعيد بن جُبير: قال رجل لابن عباس الكبائر سبع؟ قال: هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع، غير أن لا كبيرةَ مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار.