أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم ومعهم جمهور فقهاء الأمصار أن الجماعة لو تمالؤوا على قتل من يجب بقتله القصاص بحيث لو انفرد كل منهم لوجب فيه القود فإنهم يقتلون به جميعًا.

روى هذا عن عمر وعليٍّ والمغيرة بن شعبة وابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وأبو سلمة وعطاء وقتادة، وإليه ذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي، وأحمد في المشهور المعتمد عنه.

وقالت طائفة غير قليلةٍ: لا تقتل الجماعة بالواحد بل يجب في حقهم الدية،

وهذا قول ابن الزبير والزهري وابن سيرين وحبيب بن أبي ثابت وعبد الملك وربيعة وداود الظاهري وابن المنذر وأحمد في رواية.

وقال آخرون: لا يقتلون به جميعًا وإنما يقتل منهم واحد ويؤخذ من الباقين حصصهم من الدية. روى هذا عن معاذ بن جبل وعبد اللَّه بن الزبير ومحمد بن سيرين والزهري.

مغ جـ 9 (ص 366) بداية جـ 2 (ص 476). انظر القرطبي جـ 2 (ص 251) الحاوي الكبير جـ 12 (ص 26) الإشراف جـ 2 (ص 103).

– موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي للشيخ الإستاذ الدكتور محمد نعيم ساعي اللاذقاني الشامي/السوري –


قال الله جل جلاله: { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } – سورة النساء/٩٣ –

قال الله جل جلاله: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا } – سورة النساء/٤٨ –

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: ((لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)) – حديث صحيح رواه الإمام البخاري –


جاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ إِذَا قَتَلُوا وَاحِدًا اقْتُصَّ مِنْهُمْ جَمِيعًا، قَالُوا: لأِنَّ زُهُوقَ الرُّوحِ لاَ يَتَجَزَّأ، وَاشْتِرَاكَ الْجَمَاعَةِ فِيمَا لاَ يَتَجَزَّأُ يُوجِبُ التَّكَامُل فِي حَقِّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَيُضَافُ إِلَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ، قَالُوا: وَلإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً بِمَدِينَةِ صَنْعَاءَ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَتَرَكَ عِنْدَهَا ابْنًا لَهُ مِنْ غَيْرِهَا، فَاتَّخَذَتْ لِنَفْسِهَا خَلِيلاً، فَاجْتَمَعَ عَلَى قَتْل الْغُلاَمِ خَلِيل الْمَرْأَةِ، وَرَجُلٌ آخَرُ، وَالْمَرْأَةُ وَخَادِمُهَا، فَقَطَعُوهُ أَعْضَاءً وَأَلْقَوْا بِهِ فِي بِئْرٍ ثُمَّ ظَهَرَ الْحَادِثُ وَفَشَا بَيْنَ النَّاسِ، فَأَخَذَ أَمِيرُ الْيَمَنِ خَلِيل الْمَرْأَةِ فَاعْتَرَفَ، ثُمَّ اعْتَرَفَ الْبَاقُونَ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنِ اقْتُلْهُمْ، وَقَال: وَاللَّهِ لَوْ تَمَالأَ عَلَيْهِ أَهْل صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ جَمِيعًا.,

وَكَذَلِكَ قَتَل عَلِيٌّ رضي الله عنه ثَلاَثَةً بِوَاحِدٍ، وَقَتَل الْمُغِيرَةُ سَبْعَةً بِوَاحِدٍ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِمْ، قَالُوا: وَلأِنَّ الْقَتْل بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ غَالِبٌ، وَالْقِصَاصُ شُرِعَ لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ، فَيُجْعَل كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالْمُنْفَرِدِ، فَيَجْرِي الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الإْحْيَاءِ،

وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَلَزِمَ سَدُّ بَابِ الْقِصَاصِ وَفَتْحُ بَابِ التَّفَانِي، إِذْ لاَ يُوجَدُ الْقَتْل مِنْ وَاحِدٍ غَالِبًا، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. اهــ.

وإذا عفا ولي الدم وطلب الدية، فإنهم يؤدون دية واحدة، ولولي الدم أن يعفو عن بعضهم ويأخذ منه حصته من الدية ويقتل البقية، قال ابن قدامة في المغني:

إذَا اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ فِي قَتْلِ رَجُلٍ، فَقَطَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ، وَالْآخَرُ رِجْلَهُ، وَأَوْضَحَهُ الثَّالِثُ، فَمَاتَ، فَلِلْوَلِيِّ قَتْلُ جَمِيعِهِمْ، وَالْعَفْوُ عَنْهُمْ إلَى الدِّيَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهَا، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ وَاحِدٍ، فَيَأْخُذَ مِنْهُ ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَيَقْتُلَ الْآخَرَيْنِ، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ اثْنَيْنِ، فَيَأْخُذَ مِنْهُمَا ثُلُثِي الدِّيَةِ، وَيَقْتُلَ الثَّالِثَ. اهـ.

والله أعلم.

فتاوى ذات صلة
الولى يعفو ثم يقتل الجاني
الولى يعفو ثم يقتل الجاني

أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن الوليَّ إذا عفا عن القاتل مطلقًا أو إلى مالٍ ثم قتل من اقرأ المزيد

عفو بعض الأولياء عن القصاص دون بعض
عفو بعض الأولياء عن القصاص دون بعض

أكثر أهل العلم على أن القصاص حق لجميع أولياء المقتول من أهل ورثته صغارًا كانوا أو كبارًا نساءً أو رجالًا اقرأ المزيد

أحكام الولاية في القصاص
أحكام الولاية في القصاص

لا خلاف يعلم بين العلماء في أن ورثة القتيل (أولياؤه) إذا كانوا أكثر من واحد؛ فإنه لا يجوز لبعضهم استيفاء اقرأ المزيد

الاقتصاص من المشلول او للمشلول في الأطراف
الاقتصاص من المشلول او للمشلول في الأطراف

جماهير أهل العلم على أن اليد أو الرجل الشلاء (المشلولة) إذا جنى عليها مَنْ يَدُهُ أوْرِجْلُهُ صحيحةٌ؛ فإنه لا قصاص اقرأ المزيد