اتفق الأئمة المتقدمون لا خلاف بينهم فيمن جاء المدينة المنورة ودخل المسجد أن يصلي ركعتي تحية المسجد إلا أن يكون وقت كراهة عند بعضهم فإذا فرغ أتى قبره – صلى الله عليه وسلم – ووقف عنده – صلى الله عليه وسلم – زائرًا مُسَلِّمًا موليًا ظهره القبلة ومستقبلًا القبر الشريف فيصلي ويسلم عليه -صلوات الله وسلامه عليه- بما هو أهله ويدعو الله تعالى أن يجعله شفيعًا وأن يرزقه رفقته في الجنة مع أهله وسائر أحبابه،
ثم يتنحى قليلًا يمينًا قدر ذراع فيسلم على أبي بكر – رضي الله عنه – ولا بأس أن يقول جزاك الله عن أمة الإِسلام خيرًا،
ثم يتنحى قليلًا يمينًا قدر ذراع كذلك فيسلم على عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ولا بأس أن يقول: جزاك الله عن أمة الإِسلام خيرًا، ثم يرجع -كما قال النووى وغيره- فيتقدم إلى رأس القبر فيقف بين الأسطوانه ويستقبل القبلة ويحمد الله تعالى ويمجده ويدعو لنفسه وأهله ومن شاء من المسلمين،
ثم يرجع إلى الروضة الشريفة إن وجد فراغًا أو إلى موضع قريب منها أو ما تيسر من أي موضع في المسجد منشغلًا بالذكر والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. وقراءة القرآن وغير ذلك مما يتناسب مع قدر المكان وهيبته.
قلت: هذا الذي ذكرته متفق عليه بين العلماء ولا خلاف عن أحدٍ منهم فيه، ويعبرون عن هذا الذي قلته: بزيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – ويجعلون لها بابَا مستقلًا.
♦ ولا بأس عند هؤلاء كلهم إذا فرغ الحاج من مناسكه في مكة المكرمة أن يكون نيته إذا أراد التوجه للمدينة أن يزور مسجده وقبره – صلى الله عليه وسلم – أو تكون نيته زيارة النبي – صلى الله عليه وسلم – لأن هذا معناه عند العامة والخاصة متضمن لزيارة المسجد وقبره – صلى الله عليه وسلم – وما حكاه البعض من المتأخرين من هذا التفصيل المشوش من جواز نية زيارة المسجد وزيارة قبره – صلى الله عليه وسلم – بحيث تكون زيارة قبره – صلى الله عليه وسلم – داخلة وتابعة لزيارة المسجد وأن نية زيارة القبر وحسب لا تجوز، أقول هذا التفصيل المشوش لأذهان العامة والمثير للخلاف والنزاع بين الخاصة من طلاب العلم لا داعي له، إذ إنه معلوم عند القاصي والداني أن كل من حج البيت كان من أعظم المهمات عنده بعد أداء المناسك وفي سفره هذا عامةً أن يتشرف بالصلاة في مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم – والوقوف عند قبره والسلام عليه – صلى الله عليه وسلم -.
انظر. مغني ج 3 ص 588. المجموع للنووي ج 8 ص 203. والحاوي ج 4 ص 214.
– موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي للشيخ الإستاذ الدكتور محمد نعيم ساعي اللاذقاني السوري –
عن بُريدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((نَهَيْتُكُم عن زيارةِ القبورِ، فزُورُوها)). – حديث صحيح رواه الإمام مسلم –
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم كلَّما كان ليلَتُها مِن رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يخرُجُ مِن آخِرِ اللَّيلِ إلى البَقيعِ..)). – حديث صحيح رواه الإمام مسلم –
عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: سمعْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((لا تَشُدُّوا الرِّحالَ إلَّا إلى ثلاثَةِ مساجِدَ: مسجدي هذا، والمسجِدِ الحرامِ، والمسجِدِ الأقصى)). – حديث صحيح رواه الإمام مسلم –
قَال ﷺ: ((اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قبور أنبيائهم مَسَاجِدَ)) – موطأ الإمام مالك –
قال القاضي عياض في كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى ﷺ: وزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام سنة من سنن المسلمين مجمع عليها وفضيلة مرغّب فيها. – ج2 ص148-149 –
والله أعلى وأعلم.